JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

أحمد الشرع: لغز الشخصية الذي حير سوريا والعالم

تحليل لشخصية الرئيس السوري الذي يجمع المتناقضات ويدهش المراقبين.

من مقاتل الخنادق إلى دبلوماسي الفنادق.. كيف أتقن "الجولاني" سابقاً كل الأدوار؟

مقدمة: لغز على مسرح الجريمة السياسي

أحمد الشرع: لغز الشخصية الذي حير سوريا والعالم

في خضم التحولات العاصفة التي شهدتها سوريا، برزت شخصية استثنائية استحوذت على اهتمام العالم بأسره، شخصية تبدو وكأنها خرجت من رحم رواية معقدة تجمع بين الحرب والسياسة، الدين والدبلوماسية. إنه الرئيس السوري أحمد الشرع، المعروف سابقاً بـ "أبو محمد الجولاني". هذا الرجل الذي كان يوماً ما رقماً صعباً في معادلات القتال الميداني، تحول اليوم إلى رجل دولة يجلس على طاولة المفاوضات، تاركاً خلفه سيلاً من الأسئلة الحائرة التي تدور في أذهان الكثيرين، من المواطن البسيط إلى أكبر المحللين السياسيين.

لقد ضاعت البوصلة في فهم هذا الرجل. هل هو الفقيه المتمكن من علوم الشريعة؟ أم هو عالم النفس الذي يقرأ ما يدور في العقول؟ أم تراه الخبير العسكري الذي تدرب على فنون القتال من حرب الشوارع إلى تكتيكات الخنادق؟ وكيف استطاع أن ينتقل بسلاسة مدهشة من تلك الساحات إلى لقاءات الفنادق الفاخرة والمحافل الدولية؟

يبدو أننا أمام شخصية متعددة الأبعاد، تجيد لعب كل الأدوار بإتقان مذهل، وهو ما يجعل محاولة فهمها تحدياً فكرياً حقيقياً.

أحمد الشرع: لغز الشخصية الذي حير سوريا والعالم

الرجل ذو الوجوه المتعددة: إتقان لكل مقام مقال

ما يثير الدهشة في شخصية أحمد الشرع هو قدرته الفائقة على التكيف مع مختلف المواقف والظروف، مانحاً كل سياق حقه الكامل من السلوك والأداء. لقد وجدناه في كل مكان، وبكل صورة يمكن تخيلها:

  • المواطن العاشق لوطنه: يقبّل تراب الأرض التي قاتل من أجلها، في مشهد يجسد ارتباطاً عميقاً بالأرض.
  • التلميذ الوفي: يزور مديرته في لفتة إنسانية تعكس احتراماً وتقديراً لمن علموه.
  • طالب العلم المتواضع: يجلس بين يدي شيخه في صورة تظهر جانباً روحانياً ومعرفياً.
  • الإمام في محرابه: يقف على رأس المصلين، حافظاً لكتاب الله، يقود الناس في الصلاة.
  • ابن الشعب: يتناول طعامه في مطعم شعبي، جالساً بين أبناء شعبه دون تكلف أو حواجز.
  • الرئيس في قصره: يمارس مهامه الرسمية بهيبة ووقار، مستقبلاً الوفود وأصحاب القرار.
  • الصديق الوفي: يحتضن أخوة السلاح والتراب، محافظاً على عهود قطعت في أصعب الظروف.
  • المفاوض المحنك: يجالس أصحاب السيادة والسعادة، ويحاور الصحافة العالمية بجرأة وثقة، مقدماً إجابات دبلوماسية واضحة بشروط مدروسة.

هذه القدرة على التنقل بين الأدوار، من مقاتل شرس إلى سياسي براغماتي، ومن قائد ميداني إلى أب وزوج، تثير تساؤلاً جوهرياً: أين ومتى وكيف تدرب على كل هذا؟ كيف تمكن من صقل هذه المهارات المتناقضة ظاهرياً؟

ثبات انفعالي وسرعة بديهة في وجه العواصف

من أبرز السمات التي تسترعي الانتباه في شخصية الشرع هي رباطة جأشه وثباته الانفعالي. لا يبدو أن الظروف القاسية من حوله تؤثر على سرعة بديهته، ولا أن غرابة الأسئلة تربكه، ولا حتى قسوتها أحياناً تعكر مزاجه. يجيب على أكثر الاستفهامات فضولاً وإحراجاً بوضوح ودبلوماسية، شافياً غليل السائل دون أن يكشف كل أوراقه.

هذا الصبر على الخصم، والحلم على العدو، والثبات على الموقف، هي سمات لا تتأتى إلا من خلال تجربة طويلة ومران نفسي شديد. لقد أظهر قدرة على احتواء الصدمات وإعادة توجيه مسار الأحداث لصالحه، وهو ما يعكس ذكاءً استراتيجياً وعمقاً في التفكير.

أحمد الشرع: لغز الشخصية الذي حير سوريا والعالم

من هو أحمد الشرع؟ قراءة في مسار التحولات

ولد أحمد حسين الشرع في الرياض عام 1982، ونشأ في دمشق. درس الإعلام في جامعة دمشق لكنه لم يكمل دراسته، حيث غادر إلى العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003 لينضم إلى صفوف المقاتلين هناك. هذه المرحلة كانت حاسمة في تكوينه العسكري والأيديولوجي، حيث صقلت مهاراته القتالية وجعلته جزءً من شبكة جهادية عالمية.

مع اندلاع الثورة السورية، عاد إلى سوريا ليؤسس "جبهة النصرة" كفرع لتنظيم القاعدة. لكن مسيرته شهدت تحولات جذرية، أبرزها فك الارتباط بالقاعدة في 2016، وتأسيس "هيئة تحرير الشام" التي ركزت على الشأن السوري الداخلي بدلاً من الأجندة العالمية. هذا التحول من الفكر "الجهادي" الأممي إلى "النضال" الوطني المحلي هو أحد أهم مفاتيح فهم شخصيته البراغماتية.

لقد أتعب هذا الرجل من حاولوا تتبعه لتصيد أخطائه. ففي كل مرة يظن فيها المراقبون أنهم قد أحاطوا به، يفاجئهم بخطوة جديدة تغير قواعد اللعبة.

خاتمة:  "ما يتأخر إلا المليح"

عبارة "ما يتأخر إلا المليح" هي مثل شعبي يعني أن التأخر في وصول شيء أو شخص ما قد يكون دليلاً على أن ما ينتظره هو شيء ثمين وكبير وقيم. فالشيء الجيد أو "المليح" يتطلب وقتاً أطول في الإعداد أو الوصول، مثلما أن السيل الضخم يتأخر بسبب كبره وضخامته. 

المثل الشائع هو "الصبر مثل اسمه مرٌّ مذاقته؛ لكن عواقبه أحلى من العسل". يشير هذا القول إلى أن الصبر، رغم صعوبته ومرارته الظاهرة وقت وقوع المصائب، إلا أن نتائجه وعواقبه في النهاية تكون جميلة ولذيذة، مؤكداً على الثواب العظيم والخير الكثير الذي يناله الصابرون من الله. يبدو أن السوريين، بعد عقود طويلة من الجمود والقمع، قد أفطروا أخيراً على طبق سياسي كامل الدسم، غني بالتعقيدات والتحولات. إن شخصية الرئيس أحمد الشرع تمثل ظاهرة فريدة تستحق الدراسة والتحليل، بعيداً عن الأحكام المسبقة. رجل استطاع أن يجمع المتناقضات في بوتقة واحدة، وأن يفرض نفسه كلاعب أساسي لا يمكن تجاهله في حاضر سوريا الجديدة ومستقبلها.

الأيام القادمة وحدها كفيلة بكشف المزيد من أسرار هذه الشخصية المحيرة، ولكن المؤكد حتى الآن أن سوريا دخلت فصلاً جديداً، بطله رجل يجيد فن الممكن، ويتقن لغة القوة والدبلوماسية معاً.

عرض المزيد

author-img

مدونة خبير مسرح الجريمة-ناصر احمد حسين

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    الاسمبريد إلكترونيرسالة

    إرسال
    الاسمبريد إلكترونيرسالة