عدن تُعزز أمنها: ثورة رقمية في الأدلة الجنائية
نقلة نوعية نحو العدالة الرقمية: تدشين نظام البصمات العشرية الإلكترونية والحاسوب الآلي لتعزيز كفاءة التحقيقات الجنائية ومكافحة الجريمة.
في خطوة استراتيجية تهدف إلى إعادة رسم ملامح العدالة الجنائية في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، شهدت إدارة الأدلة الجنائية حدثاً مفصلياً يُمثل قفزة تكنولوجية هائلة. ففي صباح يوم الأحد، السابع من سبتمبر 2025، تم تدشين العمل رسمياً بنظام الحاسوب الآلي والبصمات العشرية الإلكترونية، مع تفعيل منظومة الربط الشبكي المتقدمة. هذا المشروع، الذي رعاه مدير عام شرطة العاصمة عدن، اللواء الركن مطهر علي ناجي الشعيبي، لا يعد مجرد تحديث تقني، بل هو إعلان عن دخول التحقيقات الجنائية في عدن عصر العدالة الرقمية.
"هذا التحديث يمثل نقلة نوعية في عمل إدارة الأدلة الجنائية، التي تعد ركيزة أساسية في منظومة وزارة الداخلية والأمن العام." - اللواء مطهر الشعيبي.
هذه الكلمات لم تكن مجرد تصريح عابر، بل كانت تأكيداً على الأهمية القصوى التي توليها القيادات الأمنية لتطويع التكنولوجيا في خدمة الأمن والاستقرار.
من البصمة التقليدية إلى الهوية الرقمية: أبعاد النظام الجديد
لطالما كانت بصمات الأصابع الدليل المادي الأبرز في مسرح الجريمة، لكن النظام الجديد ينقل هذا المفهوم إلى مستوى آخر. فبدلاً من التعامل اليدوي الذي يستهلك الوقت والجهد، يقوم نظام البصمات العشرية الإلكترونية بأرشفة وتصنيف ومقارنة ملايين البصمات في ثوانٍ معدودة. وأوضح المهندس مروان الغلابي، مدير قسم الحاسوب الآلي، أن هذا النظام لا يقتصر على تحديد هوية المشتبه بهم بسرعة فائقة فحسب، بل يساهم في بناء سجلات دقيقة للمواطنين، مما يرفع من كفاءة الأداء الحكومي ككل.
إن تكامل هذا النظام مع الحاسوب الآلي يعني القدرة على تحليل أنماط الجرائم، وربط القضايا ببعضها البعض، واستخلاص معلومات قد تكون خفية على المحقق البشري. وهذا ما يُعرف بعلم التحقيقات الجنائية الرقمية (Computer Forensics)، الذي أصبح اليوم العمود الفقري لأي جهاز أمني يسعى لمواكبة تطور الجريمة.
الربط الشبكي: عصب الأمن الموحد
أحد أهم أركان هذا المشروع الطموح هو تفعيل الربط الشبكي الأمني مع مختلف الجهات الحكومية والمنافذ البرية والبحرية والجوية. وأشار العميد خالد السلامي، مدير إدارة الأدلة الجنائية بعدن، إلى أن هذا الربط سيُنشئ قاعدة بيانات مركزية وموحدة.
ماذا يعني ذلك على أرض الواقع؟
- سرعة التحقق: يمكن التحقق من هوية أي شخص في لحظات، والكشف عما إذا كان مطلوباً على ذمة قضايا جنائية.
- مكافحة التزوير: يصبح من شبه المستحيل تزوير الوثائق الرسمية كجوازات السفر والهويات الشخصية، حيث أن أي محاولة ستكشفها قاعدة البيانات الموحدة فوراً.
- تضييق الخناق على الجريمة المنظمة: يساهم الربط الشبكي ويسهل عمليات كشف الجرائم والسمسرة.
تحديات الحاضر وطموحات المستقبل
خلال جولته التفقدية، لم يغفل اللواء الشعيبي عن التحديات التي تواجه الإدارة. فالتكنولوجيا وحدها لا تكفي؛ إذ شدد على ضرورة تعزيز الدعم في مجالات التدريب والتأهيل والدعم اللوجستي. إن امتلاك أحدث الأجهزة يتطلب وجود كوادر بشرية مؤهلة تستطيع استغلال إمكانياتها القصوى.
إن تدشين هذا النظام ليس نهاية المطاف، بل هو بداية مرحلة جديدة تتطلب عملاً دؤوباً لتطوير القدرات، وتحديث البروتوكولات الأمنية، وضمان حماية البيانات من أي اختراق. فمع كل تطور تكنولوجي، تظهر تحديات جديدة تتعلق بـالأمن الرقمي والخصوصية، وهو ما يجب أن يكون على رأس أولويات القائمين على هذا المشروع.
في الختام، يمكن القول إن شرطة عدن، من خلال هذه الخطوة الجريئة، لا تكافح الجريمة بأدوات الحاضر فقط، بل تستشرف المستقبل وتستعد له، واضعةً بذلك لبنة أساسية في صرح الأمن والاستقرار الذي تنشده العاصمة عدن والوطن بأسره.